الاثنين، 1 مارس 2010

من بحر الدموع

                                                 اين ارباب القلوب
يا من يذوب ولا يتوب، كم كتبت عليك الذنوب، ويحك خلّ الأمل الكذوب. واأسفا، أين أرباب القلوب، تفرّقت بالهوى في شعوب، ندعوك الى صلاحك ولا تؤوب، واعجبا لك، ما الناس الا ضروب.
يا دهر ما أقضاك من متلوّن في حالتيك وما أقلك منصفا
وغدوت للعبد الجهول مصافيا وعلى الكريم الحرّ سيفا مرهفا
دهر اذا أعطى استردّ عطاءه واذا استقام بدا له فتحرّفا
لا أرتضيك وان كرمت لأنني أدري بأنك لا تدوم على الصفا
ما دام خيرك يا زمان بشرّه أولى بنا ما قل منك وما كفى

روي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال: أدركت أقواما، وصحبت طوائف، كان ياتي على أحدهم الخمسون سنة ونحوها ما طوى منهم أحد ثوبا قط لفراش ولا نوم، ولم يأمر أهله قط بعمل طعام، ولا جعل بينه وبين الأرض فراشا، ولقد كان يأكل أحدهم الأكلة، فيودّ أنها حجر في بطنه، وما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شيء منها أدبر، ولهي أهون عليهم من هذا التراب الذي تطؤونه بأرجلكم، ولقد كان أحدهم يعيش عمره مجهودا شديد الجهد، والمال الحلال الى جنبه، فيقال له: ألا تأخذ من هذا المال شيئا لتقتات به؟ فيقول: لا والله، اني لأخاف ان أصبت منه شيئا يكون فساد لقلبي وديني.
قف على الباب وقوف نادم
يا غافلا عن نصيره، يا واقفا مع تقصيره، سبقك أهل العزائم، وأنت في بحر الغفلة عائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكّس رأس الذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار: مذنب وراحم، وتشبّه بالقوم وان لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، وقم في الدجى نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من العمر ذاهبه، ودع اللهو جانبا، وطلّق الدنيا ان كنت للآخرة طالبا، يا نائما طوال الليل سارت الرفقة، ورحل القوم كلهم، وما انتبهت من الرقدة.
ويروى عن اياس بن قتادة رضي الله عنه، وكان سيّد قومه، أنه نظر يوما الى شعرة بيضاء في لحيته، فقال: اللهم اني أعوذ بك من فجأة الأمور، أرى الموت يطلبني، وأنا لا أفوته، ثم خرج الى قومه، وقال لهم: يا بني سعد، قد وهبت لكم شبابي فلتهبوا لي شيبتي، ثم دخل داره، ولزم بيته حتى مات.
وأنشدوا:

أمن بعد شيب أيها الرجل الكهل جهلت ومنك اليوم لا يحسن الجهل
تحكّم شيب الرأس فيك وانما تميل الى الدنيا ويخدعك المطل
دع المطل والتسويف انك ميّت وبادر بجدّ لا يخالطه هزل
سأبكي زمانا هدّني بفراقه فليس لقلبي عن تذكره شغل
عجبت لقلبي والكرى اذا تهاجرا وقد كان قبل اليوم بينهما وصل
أخذت لنفسي حتف نفسي بكفها وأثقلت ظهري من ذنوب لها ثقل
وبارزت بالعصيان ربا مهيمنا له المنّ والاحسان والجود والفضل
أخاف وأرجو عفوه وعقابه وأعلم حقا أنه حكم عدل


لا يبيع الباقي بالفاني الا خاسر

يا أخي، لا يبيع الباقي بالفاني الا خاسر، واياك والأنس بمن ترحل عنه، فتبقى كالحائر، رفيق التقوى رفيق صادق، ورفيق المعاصي غادر، مهر الآخرة يسير، قلب مخلص، ولسان ذاكر، اذا شبت ولم تنتبه، فاعلم أنك سائر، فديت أهل التهجد بلسان باك وجفن ساهر، كم لهم على باب تتجافى جنوبهم من تملق ودمع قاطر، اذا تنسّموا نسيم السحر أغناهم عن نسيم العذيب وحناجر، عصفت بهم رواشق الاستغفار البواكر، عمروا منازل الخدمة، ومنزل الغفلة خراب داثر.
قال ذا النون المصري رضي الله عنه: رأيت شابا في بعض السواحل مصفرّ اللون على وجهه نور القبول، وآثار القرب وعز الأنس، فقلت: السلام عليك يا أخي، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقلت له: ما علامة المحبة، فقال: التشتت في البلاد، والتهتك في العباد، وتحريم الرّقاد، وخشية البعاد.

وأنشدوا:
أبليت من أحببت يا حسن البلا وخصصت بالبلوى رجالا خشعا
أحببت بلواهم وطول حنينهم وأطلت ضرّهم لكي يتخضعا


أكثر العمر قد مضى
يا أسيرا في قبضة الغفلة، يا صريعا في سكرة المهلة، يا ناقض العهد، انظر لمن عاهدت في الزمن الأول، أكثر العمر قد مضى، وانت تتعلل، يا مدعوّا الى نجاته وهو يتوانى، ما هذا الفتور والعمر قد تدانى، كأنك بالدمع يجري عند الموت هتانا.
يا أخي ما أحسن ما كنت فتغيّرت، ما أقوم جادتك، فكيف تعثرت؟ يا معشر المطرود عن رفاق التائبين { وما من غائبة في السماء والأرض الا في كتاب مبين} النمل 75.
كان بعض الأغنياء كثير الشكر فطال عليه الأمد، فبطر وعصى، فما زالت نعمته ولا تغيّرت حالته، فقال: يا رب، تغيّرت طاعتي، وما تغيّرت نعمتي، فهتف به هاتف يقول: يا هذا: ان الأيام الوصال عندنا حرمة وذمام، حفظناها نحن لك، وضيّعتها أنت لنا.

وأنشدوا:
سأترك ما بيني وبينك واقفا فان عدت عدنا والوداد سليم
تواصل قوما لا وفاء بعهدهم وتترك مثلي والحفاظ قديم

يا قليل الهمة يا طريد
يا راحلا بلا زاد والسفر بعيد، العين جامدة والقلب أقسى من الحديد. من ألوى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد. ما أيقظك الشباب ولا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب، ما أرى صلاحك الا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد، طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتعديد، دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد، ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد.
لأمر ما تغيرا الليالي وأنت على البطالة لا تبالي
تبيت منعّما في خفض عيش وتصبح في هواك رخيّ بال
ألم تر ان أثقال الخطايا على كتفيك أمثال الجبال
أتكسب ما اكتسبت ولا تبالي هل هو من حرام أو من حلال
اذا ما كنت في الدنيا بصيرا كففت النفس عن طرق الضلال
ألا بأبي خليل بات يحيى طويل الليل بالسبع الطوال
بقلب لا يفيق عن اضطراب وجفن لا يكف عن انهمال
أرى الأيام تنقلنا وشيكا الى الأجداث حالا بعد حال
سأقنع ما حييت بشطر بر أشيّعه بريّ من زلال
اذا كان المصيرالى هلاك فما لي والتنعّم ثم ما لي
أما لي عبرة فيمن تفانى على الأيام من عم وخال
كأن بنسوتي قد قمن خلفي ونعشي فوق أعناق الرجال
يعجلن المسير ولست أدري لدار الفوز أم دار النكال
يبيد الكل منا دون شك ويبقى الله بري ذو الجلال

هناك تعليق واحد:

  1. على رضوان الصادق23 نوفمبر 2010 في 9:08 م

    جميل جميل جميل جميل يامولانا زادك الله علم يامولانا
    متسنيش من الدعوات

    ردحذف