الاثنين، 1 مارس 2010

من بحر الدموع

                                                                         






                                                            نتقلب في ستة أسفار

اخواني، السفر مكتوب علينا، فما لنا أن نطلب الاقامة في دار ليست لنا دار مقامة؟ السنون منازل، والشهور مراحل، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والمعاصي قطاع، والربح الجنة، والخسران النار.
خلقنا نتقلب في ستة أسفار الى أن يستقر بنا القرار: فالسفر الأول: سفر السلابة من طين، والثاني من الصلب الى الرحم، والثالث: من الرحم الى ظهر الأرض، والرابع: من ظهر الأرض الى القبر، والخامس: من القبر الى موقف العرض، والسادس: من موقف العرض الى دار الاقامة: اما الى الجنة أوالنار، وقد قطعنا نصف الطريق، وبقي الأصعب.
يا من يضجّ في الكرب ويصيح، خلّ التدبير لغيرك فتستريح، تكثر النحيب والعويل، وتنسى ما سلف من الفعل الوبيل. لو رجعت اليك بقلبك، لعجّل عليك بتفريج همّك وكربك.
يا أخي، اياك والدنيا، فان حبل الدنيا مبتوت، واقنع منها بالقوت، واعلم أنك تموت.
قال ابن المبارك: قدمت مكة، فاذا الناس قد قحطوا من المطر، وهم يستسقون في المسجد الحرام، وكنت في الناس من باب بني شيبة، اذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش، قد ائتزر باحداهما، وألقى الأخرى على عاتقيه، فصار في موضع خفي الى جانبي، فسمعته يقول: الهي، أخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوئ العيوب، وقد منعتنا غيث السموات لتؤدب الخليقة بذلك، فأسألك يا حليم، يا من لا يعرف عباده منه الا الجميل، اسقهم الساعة الساعة.
يا هذا، كم تتزيّا بزيّ العبّاد والزهّاد وحال قلبك في الغفلة ما حال، الظاهر منك نقيّ، والباطن منك متسخ بطول الآمال. لا تصلح المحبة لمن يميله حب المال، ولولا مكابدة المجاهدة لم يسمى القوم رجال.
يا ميت القلب، وعدك في الدنيا صحيح، وفي الآخرة محال، ان لم تبادر في الشباب، فبادر في الاكتهال، وما بعد شيب الرأس لهو ولما أبعد عثرة الشيخ أن تقال. ضيّعت زمان الشباب في الغفلة، وفي الكبر تبكي على التفريط في الأعمال، لو علمت ما أحصي عليك، لكنت من الباكين طول الليال.
قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس: يا شيخ، ما الذي أصنع؟ كلما وقفت على باب من أبواب المولى صرفني عنه قاطع المحن والبلوى.
قال له: يا أخي، كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها، وكلما طردته، تقرّب اليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه اليها.
يروى أن عيسى عليه السلام كان يسبح في الأرض، ويقول: دابتي رجلاي، ولباسي الشعر، وشعاري خوف الله، وريحاني عشب الأرض، وطعامي خبز الشعير، وظلي ظلمات الليل، ومسكني حيث أواني الليل، وهذا لمن يموت كثير.

هناك تعليق واحد:

  1. والله جميل يادكتور احمد راااائع

    ردحذف