الجمعة، 27 أغسطس 2010

الفراغ /والاميه الفكريه فى وقتنا المعاصر






     الفراغ
في اللغة العربية يعني الخلو من الشغل وفي دائرة معارف القرن العشرين ( فرغ) من العمل يفرغ فروغاً خلا منه فهو فارغ (وفرَّغ) الإناء أخلاه ( وفرغ) الماء صبه و(تفرغ) لكذا تحلى له .([1]) وفي الموسوعة القرآنية فرغ ( يفرغ فراغاً وفروغاً) خلا من الشغل وهو فارغ([2]) وقد كتب الباحثون في علم الاجتماع العديد من التعريفات لوقت الفراغ وإن جاءت مختلفة مع بعضها في بعض الوجوه ومتفقة في أخرى. وقد تحدث ستانلي باركير عن وقت الفراغ وهو يرى أن هناك ثلاث طرق أساسية لتعريف الفراغ .([3])
§  الطريقة الأولى : فهي تعريف الفراغ باعتباره الوقت الفائض عن العمل وواجبات الحياة الأخرى مثل النوم والأكل وبعض الحاجات الفسيولوجية وذلك بأن تأخر الأربع وعشرين ساعة ويسقط منها الفترات التي لا تعد فراغاً. وفي ضوء ذلك يعرف القاموس الاجتماعي(Dictionary ofsciology) الفراغ [هو الوقت الحر بعد قيام الفرد بمسؤولياته الحياتية
§  الطريقة الثانية : هو تعريف الفراغ هو لا ينظر إلى الفراغ على أنه فترة من الوقت ولكن يعالجه بوصفه نوعاً من النشاط الذي يستمتع به الشخص وهو ينظر على الفراغ على أنه نوع من السلوك وليس جزءاً من الوقت الفائض لدى الإنسان.
      وعلى هذا يعرف بعضهم وقت الفراغ بأنه الوقت الحر الذي يفعل فيه الإنسان ما يشاء([5])وهناك من يفرق بين وقت الفراغ والوقت الحر على أن الوقت الحر يمكن أن يحصل عليه أي إنسان أما وقت الفراغ فلا يتيسر لكل شخص لأنه يتضمن قدرات ومهارات خاصة يمكن الفرد من الوصول إلى حالة نفسية مثالية يشعر فيها بالراحة والسعادة والهدوء النفسي.
§   الطريقة الثالثة : بين الاتجاهين فنأخذ في الاعتبار بعدين في تعريف وقت الفراغ هما الوقت والنشاط.
      نجد في دائرة معارف العلوم الاجتماعية (أن وقت الفراغ هو الذي يتحرر فيه الفرد من المهام الملتزمة بأدائها بصورة مباشرة وغير مباشرة) والواقع أن الفهم الصحيح للفراغ يتطلب أن نأخذ في الاعتبار عنصري الوقت والنشاط، كما أن مقدار الوقت المتاح لنا هو للفراغ الذي يحدد ما يمكن أن نفعله خلاله سواء تمثل في لحظات تنتزعها من زحمة العمل للراحة ولذا فالفراغ جزء من الوقت الغير مستخدم، ويجب استغلاله وإلا أصبح فراغاً داخلياً ونفسياً وفكرياً. وإن الصلة بين وقت الفراغ والنظام الديني في المجتمع صلة وثيقة وذلك لأهمية دعم العلاقات بين ما يدين به الناس وما يمارسونه من أنشطة خلال وفق الفراغ على نمو يحقق مزيد من الارتباط بالقيم والأخلاقيات الإسلامية وإن من مفاخر الإسلام أنه لم يترك أمراً إلا وعالجه معالجة تنفع الفرد والمجتمع.
      وحق علينا أن نوضح المفهوم الإسلامي لوقت الفراغ وأهمية استعماره  ..قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ) رواه البخاري.()فهذا الحديث الذي جمع بين الصحة والفراغ في إيجاز معجزة قد احتوى قيماً عديدة فقد أوضح أن الصحة نعمة يجب أن يحافظ عليها الإنسان وأن كثيراً من الناس يهملون صحتهم فيهدرون النعمة لعدم تبصرهم وبعد نظرهم ومعرفتهم لدينهم وتطبيقهم لتعاليمه في أمور دنياهم أما الفراغ فقد اقترن في هذا الحديث بالصحة وصاحبها والصحة من أعظم شيء لدى الإنسان ومن أعز ما يملكه ومن هذا يتسن لنا خطورة وأهمية وقت الفراغ ولعلي لا أقصد وقت الفراغ بقدر ما أقصد الفراغ وخلو العقل من الأفكار الصحيحة أو بعبارة أخرى الفراغ الذي نقصده هو خلو العقل من الوعي هو ضد الوسطية وأنها مطلباً شرعياً وحضارياً ليتحقق بها التأمل والانسجام في ظل الشريعة الإسلامية لما جاء المنهج القرآني الذي يروض طرق النقيض فلا يبيح الإفراط.
        والفراغ الفكري هو ما يمكن تعريفه بخلو عقل الإنسان من الفكر والوعي وهذا يعني أن عقل الإنسان في هذه الحالة يكون سليماً تماما إلا أنه لم يتم استغلاله والاستفادة منه بالشكل الصحيح والواقع أن الفراغ الفكري ليس مقصوده خلو عقل الإنسان من المعلومات وإنما خلو عقل الإنسان من الفكر والذي هو ناتج عن جمع معلومات من مصادر مختلفة وتحليلها والاستفادة منها والخروج بقناعات وثوابت فكرية محددة والحديث عن الفكر يقودنا لتعريف الفكر لغة واصطلاحاً ومن ثم هناك ارتباط كبير بين الفراغ الفكري لدى الإنسان ومشاكل الفراغ الأخرى ولكن الفراغ الفكري في نظري يرجع للأسباب التالية:
1-    الجهل الناتج عن الأمية الفكرية.
2-    عدم وجود التوعية الأبوية الكافية منذ الصغر.
3-    عدم مبالاة الإنسان بالأحداث التي تجري حوله والاستفادة منها.
4-    عدم وجود مناعة فكرية تقي العقول من الغلو والإفراط الفكري.
          والحديث الثاني (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك).([8]) وهنا في هذا الحديث أقترن الفراغ بنعمة من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وهي المال والصحة والشباب ووجهنا الرسول Iإلى أن نغتنم الفرصة وأن نستفيد من نعمة الفراغ وربط بين الفراغ والعمل وأوضح أن الفراغ قبل العمل ولا بد لنا أن نفكر فيه ونستعد به قبل عملنا وهذا إعجاز في شرح الفراغ وبيان أهميته
ويعد الفراغ الفكري من أبرز الانحرافات السلوكية لدى الشباب فهو من أكبر التحديات التي تواجه الأمن الاجتماعي حيث يعد تربية للانحراف حيث أشارت بعض الدراسات التي أجريت في مجال الأحداث الجانحين إلى أن نسبة كبيرة من حوادث جنوح الأحداث تقع خلال وقت الفراغ
ولذا نتاج الخلل الاجتماعي لتشكيل الفكر المنحرف تنطلق من:
1-  أصحاب الأفكار المتطرفة لديهم رغبة جامحة في إقصاء الآخرين فهم الوحيدون القادرون حسب رؤيتهم على فهم الحقائق والأمور.
2- أصحاب الأفكار المتطرفة لديهم أحادية في النظر فالحقائق لديهم ليس لها إلا وجه واحد وطريق الحياة ليس له غلا مسار واحد في رؤيتهم.
3-   أصحاب الفكر المتطرف يحملون توجيهات عقدية وفكرية تؤكد ما لديهم من قناعات ولا يرغبون في التنازل عنها كما أنهم غير مستعدين للتخلي عنها أو مناقشة الآخرين فيها([11])
    ومن هم فالتطرف يكون على مستويات ثلاث:
(1)     المستوى العقلي والمعرفي والمتمثل في انعدام القدرة على التأمل والتفكير.
(2)     المستوى الوجداني المتمثل بالاندفاعية في السلوك.
(3)     المستوى السلوكي والمتمثل في ممارسة العنف على الآخرين.
وخطورة السلوك المنحرف هو تحوله إلى سلوك تدميري تنطلق منها خمس زوايا مهمة هي :
1)    أيديولوجية فكرية تبرز أنماط السلوك التدميري المخالف لأعراف المجتمع.
2)    قابلية لإيحاء لتقبل الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع.
3)    تدريس عسكري يساعد على مواجهة الآخرين وتنفد الإرادة الإجرامية.
4)    الفرصة السانحة لتحويل المشاعر السالبة إلى أنماط سلوكية على أرض الواقع.
5)    التطرف على المستويات الثلاثة
2- الدوافع إلى العنف والتطرف:
        إن مظاهر التطرف والعنف التي بدأت في الظهور في المجتمع بصورة مختلفة ومتعاقبة وأن معظم المنتمين إليها والمشاركين فيها من الشباب فهو دليل واضح على غضب هؤلاء الشباب وعدم قدرتهم على تحقيق آمالهم في العمل المناسب والزواج وتكوين أسرة، مما يدفعهم للتعبير عن غضبهم من خلال الانتماء إلى الاتجاهات المتطرفة أو المشاركة في عمليات العنف التي بدأت تغزو المجتمع مؤخراً، معتقدين أن هذه الأنشطة قد يكون فيها الحل لمشكلاتهم.
     ويقصد بالتطرف الجنوح فكراً وسلوكاً ، وهو ينشأ من التناقض في المصالح أو القيم بين أطراف تكون على وعي وإدراك لما يصدر منه، مع توافر الرغبة لدى كل منهما للاستحواذ على موضع لا يتوافق بل وربما يتصادم مع رغبات الآخرين مما يؤدي إلى استخدام العنف لتحقيق الهدف المنشود .
       أن مفهوم التطرف من المفاهيم التي يصعب تحديدها أو إطلاق تعميمات بشأنها، وترتبط هذه الصعوبة بالمعنى اللفظي والذي يشير إلى "تجاوز حد الاعتدال" وهو معنى نسبي يختلف من زمن لآخر، ومن مجتمع لآخر، وفقاً لنمط القيم السائدة فيه، فما يعتبر تطرفاً في زمن ما، قد يكون مقبولاً في زمن آخر، وما ينظر إليه على أنه تطرف في مجتمع ما قد يكون مألوفاً في مجتمع آخر، والاعتدال أيضاً يتغير مدلوله بتغير البيئات والحضارات والثقافات والديانات وترتبط هذه الصعوبة في تحديد مفهوم التطرف بأن حركته في بدايتها تكون في حدود القواعد غير محسوسة يصعب معها تحديد النقطة التي يتجاوز عندها حد الاعتدال ويبلغ حد التطرف . ([14])
     ويعتبر التعصب من أهم علامات التطرف، حيث يعبر عن التصلب والتشدد لما يعتنق الفرد من أفكار وآراء وهو أسلوب يؤدي غالباً إلى الانعزال عن الفكر السائد في المجتمع ويغلق باب الحوار والفهم المتبادل، ويسد الطريق أمام فهم ما يستجد من أحداث وأفكار، ويميل الشخص المتطرف إلى تقبل كل ما يزيد من اقتناعه بالأفكار التي يدافع عنها، وولائه لها إلى حد أن تصبح هذه الأفكار هدفاً في حد ذاتها يكرس جهده وطاقته للدفاع عنها والمحافظة عليه، خاصة إذا كانت تحقق له مكانة متميزة وسط الجماعة التي ينتمي إليها، وقد يتجاوز هذا إلى محاولة فرضها على الآخرين ولو باستعمال القوة والعنف.
      ومن المناسب هنا أن نفرق بين التطرف والإرهاب إذ أن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتوافق ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار المتطرفة بسلوكيات فعلية مادية متطرفة أو عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة، أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب، فالتطرف إذن غالباً ما يكون في دائرة الفكر، وقد ينعكس هذا الفكر على السلوك، وذلك في أشكال متعددة، قد يأخذ بعضها شكل القول أو الكتابة أو غيرها من وسائل التعبير عن الرأي، وقد يتجسد الفكر المتطرف في أنماط أخرى من السلوك كارتداء زى معين، أو الامتناع عن سلوك معين، أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك أو الاعتداء على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح فإنه عندئذ يتحول إلى إرهاب
      إن التطرف هو أسلوب استجابة يتمثل في الخروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والأساليب السلوكية السائدة في المجتمع ومعبراً عنه بالسلبية أو الانسحاب بتبني قيم ومعايير مختلفة قد يصل الدفاع عنها إلى حد استخدام العنف والاصطدام بالمجتمع.([16]) إذن فالعنف هو استخدام القوة لاغتصاب شيء من فرد أو الجماعة ليسوا على استعداد لكي يمنحوه عن طيب خاطر. فالسرقة مثلاً ليست دائماً عنف، ولكن اغتصاب المرأة هو عنف لأن المغتصب في هذه الحالة يحصل عن طريق القوة والقسر ما يحُصل عليه عادة عن طريق القبول المحبب.([17])
      والواقع أن هناك تنميطاً للعنف طورته النظرية السوسيولوجية يمكن أن يساعدنا في تحديد معنى العنف في بحثنا الحالي، ومن وجهة النظر هذه يتم تجميع الأحداث ذات الطبيعة والخصائص المتماثلة في نمط متجانس، فينقسم العنف مثلاً إلى :
1-     عنف عقلاني غير مسئول.
2-     عنف متشئ أو متحدى.
3-  عنف انفعالي أو عاطفي، والنوع الذي يهمنا هنا هو العنف العقلاني أو الرشيد وهو أكثر أنماط العنف نضجاً وفاعلية، ذلك لأنه يملك إطاراً واضحاً يحتوي بداخله على نوع من الانفجار الذي يفتقد صلة موضوعية بسياقه الاجتماعي، إذ عادة ما يتم خدمة لأغراض بعض المحرضين، ويكون المشتركين فيه في العادة على وعي كامل بالأهداف الموضوعية كما يكونون عادة على درجة ثقافية وتعليمية أفضل، وعلى درجة أعلى من الوعي السياسي، وعلى فهم محدد لأدوارهم وأدوار الآخرين في مسار الأهداف وتطورها. ومن أسباب عدم وجود اتساق في البناء الاجتماعي على أي مستوى من مستوياته كالدخل المنخفض، وانتشار البطالة والمحسوبية في شغل الوظائف، والإسكان السيئ والآثار السيئة للتنمية الحضارية أو عدم فاعلية السلطة السياسية على المستوى الداخلي والخارجي
ويمكن أن يتخذ العنف الذي تستخدمه الجماهير ثلاث درجات:
1- الشغب: وهو عنف سياسي غير منظم تلقائي نسبياً، مع مشاركة شعبية لها شأنها تشمل الاضطرابات السياسية العنيفة والاضطرابات السياسية والمظاهرات والثورات ذات الطابع المحلى.
2- التآمر: وهو عنف سياسي على درجة عالية من التنظيم مع مشاركة محدودة بما فيها الاغتيال السياسي المنظم والإرهاب على نطاق صغير وحروب العصابات المتعددة.
3- الحروب الداخلية: وهي عنف سياسي على درجة عالية من التنظيم مع مشاركة شعبية واسعة الانتشار، ويراد به قلب نظام الحكم أو القضاء على الدولة القائمة وبصحبه عنف بعيد المدى وإرهاب واسع النطاق وحروب عصابات  وثورات.)
     والتفسيرات السيكولوجية والسوسيولوجي التي حاولت تفسير مظاهر وسلوكيات الشباب وتفسير نزوع البعض منهم نحو التطرف والعنف ...
أ - الاتجاه السيكولوجي:
       يرجع أصحاب هذا الاتجاه أسباب التطرف إلى فقدان التوازن والاتجاه نحو مختلف نماذج عدم الامتثال مع المجتمع وقيمه ومعاييره السلوكية إلى مدى قدرة الفرد على استجابته للتغيرات الاجتماعية والثقافية والبيئية التي يتعرض لها خلال أنواع الصراع والتوتر، وتؤدي إلى تدعيم مشاعر الفشل والإحباط لديه، ويتوقف نوع الاستجابة سواء كانت انعزالية أو عدوانية على مدى قوة ونوعية الضوابط التي توجه الذات .(
      وبالمثل فإن ظاهرة العنف كما يراها الاتجاه السيكولوجي تقوم على افتراض وجود نوع من الإحباط، والشعور بالضياع، ووجود فراغ أخلاقي لدى الشباب المتصف بالعنف والذي يفتقر إلى الإحساس بأن لوجوده رسالة أخلاقية، وبالتالي الإحساس بتفاهة الحياة، وكذلك الإحساس بضعفهم وقلة حيلتهم، فقد أخفقت التربية في إعطائهم هدفاً رفيعاً يصلح أن يكون رمزاً، أو محوراً تدور حوله حياتهم، ويبنون عليه طموحهم الاجتماعي والإنساني، وهذا الفراغ الروحي والأخلاقي في حياة الشباب يعوض بتبني أهداف اجتماعية أخرى، ذات بريق كالاحتجاج على النظام الاجتماعي ككل .
ب - الاتجاه السوسيولوجي:
      أما علم الاجتماع ومن خلال منظوره الخاص اهتم بدراسة ومعالجة قضايا الشباب في صلتها بالمجتمع، واهتم بدراسة الظواهر المرتبطة بسلوكهم واتجاهاتهم المتطرفة، والثورات الطلابية، والثقافات الانعزالية، والتمرد والرفض، والعنف، ودراسة قيمهم السلوكية، ودورهم في عمليات التغيير والبناء والتنمية، وذلك في ضوء الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع، وعلاقته وأثره على جميع هذه العوامل على اعتبار أن الشخصية نسق تتساند فيه الدوافع والقدرات العقلية والجسمية الفطرية والمكتسبة مع القيم والمعايير السائدة في المجتمع، وأساليب التنشئة التي تهيئ الفرد لأداء الدور المتوقع منه في المجتمع .([22]) وقد اتجهت بعض المعالجات في هذا المجال إلى إرجاع العديد من الأنماط السلوكية التي يلجأ إليها الشباب كالرفض والتطرف والانعزالية والاغتراب...وغيرها إلى أسباب تتعلق بالواقع الاجتماعي الذي يعيشونه نذكر منها:
1- الصراع بينهم وبين الكبار وهو ما يطلق عليه "صراع الأجيال" حيث يمكن إرجاع التطرف إلى الصراع بين جيل الكبار وجيل الشباب والفجوة القائمة بينهما.
2- تأثير البناء الاجتماعي على الأنماط السلوكية ( البنائية والوظيفية ) وهذا المدخل يوضح أن البناءات الاجتماعية توجد ضغوطاً واضحة يتعرض لها بعض أفراد المجتمع بسبب دوافع غير مشبعة مما يدفعهم إلى عدم التوافق مع المجتمع وانعكاس ذلك أخلاقياً عليهم.

الأمية الدينية.. الأسباب والعلاج

المتأمل في أحوال شباب المسلمين في عصرنا هذا، يقلق كثيراً إزاء ما يلمسه لديهم من تهاون بشعائر دينهم، ومبادئه، وأحكامه، وتاريخه، وعلومه المتعددة.
ومرجع ذلك كله إلى ما يعانيه شبابنا من أمية دينية أدت إلى تفشيها سياسات إعلامية وتعليمية وثقافية تتبناها الدول الإسلامية بقصد وبغير قصد، وهو ما أفرز - في نهاية المطاف - ما نراه على الساحة من تيارات عنف، ومن تخبط في معالجة ما يسمى ب: "الخطاب الديني".

مفهوم الأمية الدينية:


قصور الفهم الحقيقي للإسلام برغم علو الشهادات العلمية.
آثار الأمية الدينية وخطرها:
1- إذا آمنا بأن الشباب هم مصدر قوة المجتمع، بدينهم المتمكن في نفوسهم، والذي يدافعون عنه بكل ما أوتوا من قوة؛ فإنهم إن لم يكونوا أقوياء بدينهم كانوا لقمة سهلة الابتلاع في أفواه أعدائهم الجائعة.
2- إن الأمية الدينية عند الشباب تحول دون تقدم المجتمع وتطوره إذ هم حملة لوائه.
3- من نتاج الأمية الدينية طمس الشخصية الإسلامية، والاكتفاء بإبراز هوية مسلم لكن بشخصية غير إسلامية؛ لأن البديل لمن لم يع دينه هو التبعية للآخرين سواء بالفكر أو الاعتقاد، فتجد من يدعي أنه مسلم بالهوية فيما هو علماني بالاعتقاد ماركسي بالاقتصاد!!
4- امتداد خطرها للأجيال التي لم تأت بعد، فالشباب الذي يجهل دينه سيربي أولاده على ذلك فتتوراث الأجيال الأمية الدينية إلى مالا نهاية، ونزداد ضعفاً مع هذا التوراث.

ما أسباب الأمية الدينية؟


ينشأ الشاب المسلم في بيئة لها أوضاع معينة، وتحكمها عادات وتقاليد ومقاييس أخلاقية خاصة.
وتتدرج هذه البيئة من الأسرة إلى المدرسة ثم المجتمع، وإذا أردنا أن نبحث في أسباب الأمية الدينية عند الشباب المسلم فإننا سننطلق من البيئة التي يتدرج فيها الشاب، ونبدأ بالأسرة، ثم المدرسة، ثم المجتمع.

أولاً- الأسرة:


1- ضعف التوجيه الأسري للشباب، وعدم إعدادهم في الأسرة منذ الصغر الإعداد الديني الكافي للمسلم الحق، ومن أسباب هذا الضعف الأسري ما يلي:
أ- عدم توفر الوعي الديني الكافي عند الوالدين.
ب - كثرة أفراد الأسرة، بحيث ينصب تركيز الوالدين على الإعداد المادي للأولاد وإهمال الإعداد الديني.
ج - حب الذكور وتمييزهم عن الإناث مدعاة لبعض الأسر لعدم توجيههم دينياً باعتبار أن الالتزام الديني سيقيد الشباب، فيتركونهم على حريتهم من دون متابعة، ولا حتى متابعة أصدقائهم، علماً بأن الرفاق لهم تأثير كبير على الفرد بتوجيه سلوكه إلى الخير أو الشر.
د - أثبت التربويون أن التردد والتذبذب في تربية الأطفال، أو ما يسمى بظاهرة التدليل، والإباحة له آثار سلبية في سلوك الأطفال، وتجعلهم عصاة لآبائهم وأمهاتهم.

ثانياً- المدرسة:


أ- المناهج في كثير من بلاد المسلمين غير موجهة توجيهاً كافياً لإعداد الفرد دينياً. فقد وجدت البحوث التربوية الحديثة عزوفاً من الطلبة عن دراسة التربية الإسلامية للأسباب التالية:
- منهج التربية الإسلامية لا يتناول واقع الطلاب، ولا يعالج ما يودون معالجته من أمور تهمهم.
- يعاني منهج التربية الإسلامية من صعوبة العرض.
- بعض مدرسي التربية الإسلامية ليسوا قدوة لطلابهم.
- طريقة التدريس إلقائية تقليدية لا يشترك فيها الطلاب.
ب - المعلم لا يؤدي دوره كموجه تربوي مخلص للطلبة.
ج - تركز المناهج المدرسية على تنمية وإعداد الفرد إعداداً عقلياً وجسمياً وإهمال الجانب الإيماني.

ثالثاً- المجتمع:


يحوي المجتمع المعاصر كثيراً من التناقضات، ولن تحقق التربية دورها إلا بالتوافق بين الأسرة والمدرسة والبيئة (المجتمع)، وإلا كانت فاعليتها ضعيفة أو عديمة الأثر. والطفل يعيش بين متناقضات فالأسرة توجه بشيء، والمدرسة بشيء آخر، ومغريات المجتمع تهدم كل ذلك.
ومن أسباب الأمية الدينية التي ترتبط بالمجتمع ما يلي:
1- الفهم الخاطئ للإسلام، ومن صوره: شيوع مفهومات خاطئة مثل: الدين تزمت، الدين عبادة فقط، الدين للمشايخ فقط، ومن أسباب ذلك:
أ- عدد لا بأس به من الدعاة قدموا الدين للناس على أنه قيود صارمة لا مجال للتفلت منها، مع أن قصدهم حسن؛ لكن ذلك أدى إلى نفور الشباب من الدين، وبالتالي لا يهمهم أي معرفة عنه. ومن أمثلة ذلك: التركيز على الشكليات، ونسيان الجوهر، وهذا ليس من باب فقه الأولويات، فترى الداعية يركز على بعض المظاهر الشكلية، في حين أن الناس اليوم بحاجة إلى الالتزام بالعقيدة الصحيحة والصلاة قبل الشكليات.
ب - الانبهار بالغرب، والفهم الخاطئ لسبب تقدمهم: في اللحظات التي تحررت فيها أوربا من سلطان الكنيسة التي قطعت أنفاس الناس باسم الدين، فأراد الأوربيون التخلص منها بشتى الصور حتى إنهم رحبوا بنظرية دارون للتخلص من الروحانية التي تسعى إليها الكنيسة بالحديد والنار، وبعد هذا التحرر تقدمت علمياً وتكنولوجياً، وكانت المجتمعات العربية المسلمة آنذاك في وهن وضعف، فلما انفتحوا على الغرب بهرتهم حضارتهم، وأرادوا التقدم مثلهم بخلع الدين، وتركه وراء ظهورهم متناسين أن الأفكار العلمانية لا تنقل من مجتمع لتطبق في آخر؛ لاختلاف ظروف نشأتها.
2- وجود كثير من المغريات في المجتمع، والدين الإسلامي ينظم ويضبط توجه المسلم نحو كل جديد، وهذا لا يناسب الإنسان الذي يريدها انفتاحية بلا حدود، أي: أنهم لا يريدون أن يفهموا الإسلام، وليست الظروف السيئة من حولهم، وهذا طبعاً عيب في الإنسان وليس الدين.
3- التنظيمات الإسلامية لم تتخلص من التبعية للأجنبي، الذي لا يريد إلا هدم عقيدة الشاب المسلم.
4- مخططات أعداء الدين التي ما زالت تسري كالسم في أجساد شبابنا، والتي تتم بصور شتى منها:
أ- الغزو الفكري الذي يجتاح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، حيث يصدر الغرب أفكارهم الخبيثة للشباب المسلم، بل ويعرضها له في أجمل صورة.
ب - تسخير وسائل الإعلام وتوجيهها لإبعاد الشباب عن الدين، وتوجيههم نحو الانحلال الخلقي في كثير من الأحيان.
ج - العلمانية: حيث عملت على غرس فكرة فصل الدين عن منهج الحياة، وقصر الدين على العبادة دون السلوك، وبالتالي لم يعد يهم الشاب الإطلاع على أمور دينه ما دامت محصورة في الصلاة والصيام وهذه يعرفها. وها نحن نسمع صيحات كثيرة تبشر بتزايد أعداد المسلمين في العالم، وما نلاحظه أنه كلما تزايدت الأعداد المسلمة، تراجعنا للوراء؛ إذ هم غثاء كغثاء السيل إلا من رحمه الله تعالى.
مما سبق يمكننا القول: إن الفرد أصبح يعيش بين مجموعة تحديات (غزو فكري، انحلال خلقي، تحديات الشيطان والنفس والهوى) كلها تحاول أن تقذف به إلى الهاوية وتبعده عن الوعي بدينه.

علاج الأمية الدينية:


1- تربية الفرد على أن يكون مسلماً حقاً بالمعنى الصحيح لكلمة مسلم وهي: أن المسلم من أسلم قياده لصاحب حركة الحياة وخالقها سبحانه وتعالى، حيث لا يمكن للإنسان أن يسلم قياده لإنسان مثله غير قادر على تصريف أموره.
2- التثقيف الأسري وتوعية الوالدين بتربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة.
3- الإطلاع على وصايا النبي { في بناء الشباب وإعدادهم للحياة:
- إعداد الشباب على التزام طاعة الله وعبادته، فقد ذكر النبي { ضمن سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاباً نشأ في عبادة الله تعالى.
- دعوة الشباب لاغتنام الفرص لتكوين شخصيتهم إيمانياً، وجسدياً، ونفسياً، وعقلياً، وخلقياً؛ حيث أوصى النبي { باغتنام خمس قبل خمس: الحياة قبل الممات، والصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والشباب قبل الهرم، والغنى قبل الفقر.
- عصمة نفوس الشباب من الميوعة والانحلال الخلقي.
- محاسبة الشباب وإشعاره بالمسئولية أمام رب العالمين يوم العرض عليه.
4- أن يعي الداعية فقه الأولويات، وأن يبتعد عن الطرق التقليدية الخطابية في الدعوة؛ إذ لم تعد تجدي في هذا الزمن، بل يستخدم طرقاً متنوعة ومتعددة منها: الهدية، الزيارة، المراسلة، استغلال وسائل الإعلام، استغلال الجمعيات الخيرية والأندية.
5- تنمية وعي المسلم بأعدائه ومكائدهم ضد الدين الإسلامي، فظاهرة الصحوة الإسلامية أفزعت أعداءه، فقاموا يعقدون المؤتمرات والندوات، ويخصصون الميزانيات، لأبحاثهم ورصد هذه الصحوة.
ومن ضمن هذه التوعية: توعيتهم بالعلمانية، وفضائحها، ومكائدها ضد الإسلام؛ حيث يقول الكاتبان الفرنسيان كولين وفرانسيس في كتابهما (الجزائر خارج القانون): "لعل العبث بالدين الإسلامي كان هو المجال المفضل لدى القائد روفيريجو ليعيث فيه فساداً واستهتاراً، فقد وقف هذا القائد الفاجر، ونادى بين قومه أنه يلزمه أجمل مسجد في مدينة الجزائر ليجعل منه معبداً لإله المسيحيين وحدد يوم 18 -ديسمبر - 1832 لإنجاز هذا العمل في الموعد المحدد، تقدمت بطاريات الجيش تزحف إلى المسجد، فإذا بداخله أربعة آلاف مسلم اعتصموا به خلف المتاريس فاندفعت نحوهم القوة العسكرية ودحرتهم بالسناكي".
كما يقول القس زويمر في مؤتمر المبشرين المنعقد في القدس عام 1935: "مهمة التبشير التي ندبتكم إليها دولة المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإن هذا هداية لهم وتكريم، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في المماليك الإسلامية".
6- تقديم الحلول المناسبة لمواجهة التحديات.

حلول لمواجهة الغزو الفكري:


أ- حصانة التوعية الثقافية: ويكون ذلك بالاطلاع الكامل، والدراسة الشاملة لخصائص الشريعة الإسلامية.
ب - حصانة العقيدة الربانية: وذلك بالقناعة الوجدانية والعقلية أن الإسلام دين الله الخالد، وعلينا حمل لوائه.

حلول لمواجهة تحدي الانحلال الخلقي:



أ- غض البصر عن المحرمات، قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم( 30 ) {النور: 30}.
ب - ملء الفراغ بما ينفع.
ج - الرفقة الصالحة.
د - تعميق مراقبة الله عز وجل في السر والعلن.
و - الإطلاع على قصص الشباب المحصنين لأنفسهم كقصة يوسف عليه السلام.

المراجع 
.....................................................................................................................................

       د/رانيا نظمى –قسم الثقافة الإسلامية






([1]) محمد فريد وجدي- دائرة معارف القرن العشرين 1357هـ ص7 ص2/2
([2])إبراهيم الإبياري- الموسوعة القرآنية الميسرة مؤسسة سجل العرب- القاهرة 1947 ج3 ص250
([3]) نقلاً عن عبد العزيز الشثري . Parkers S.opcitp . 17   18
([4])إبراهيم قنديل ، وقت الفراغ وشغله في مدينة الرياض ، جامعة الملك عبد العزيز كلية التربية بمكة المكرمة 1398هـ ص 77،76
([5])  عطيات محمد خطاب ، أوقات الفراغ والترويح – دار المعارف 1978 ص.170 .
([6]) صحيح البخاري ظ دار الفكر بيروت جزء 7 ، ص.17
 ([7]) إبراهيم قنديل ، الأوقات الحرة لدى الشباب السعودي جامعة الملك عبد العزيز،كلية التربية مكة المكرمة 1389ص. 13
  ([8]) رواه الحاكم في المستدرك ، ح4 ، ص 306 وقد ورد الحديث أيضاً في سنن الترمذي ح7 ص86.
 ([9])  إبراهيم حامد قنديل – مرجع سابق ص 16.
 ([10]) محمد عارف – الجريمة في المجتمع نقد منهجي لتفسير السلوك الإجرامي، ملكية الانجلو المصرية،القاهرة 1981م ص409
([11])عبد الله عبد العزيز اليوسف – دور المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف.
([12]) د.عبد الله عبد العزيز اليوسف – المرجع السابق.
([13]) الجندي، أمينة "التطرف بين الشباب: كيف يفكر طلاب الجامعات المصرية، دراسة ميدانية، المنار، السنة الخامسة، سلسلة المواجهة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1993، ص64- 65.


أ.د. مصطفى رجب

هناك 4 تعليقات:

  1. رائع يادكتور والله

    ردحذف
  2. محمد ال شعيب26 نوفمبر 2010 في 5:18 ص

    دكتور احمد كلام ممتاز

    ردحذف
  3. على حجاج محمود كليه الدراسات الاسلاميه13 ديسمبر 2010 في 7:24 ص

    جميل يامولانا القاسمى اكتر من ممتاز

    ردحذف
  4. روعه ياشيخنا تعودنا انك تجيب لنا كل ما هو جديد
    جزاك الله كل خير شيخ احمد القاسم

    ردحذف